خطبة الجمعة القادمة للدكتور مسعود عرابي بعنوان : الصوم ومكارم الأخلاق
خطبة الجمعة القادمة 24 مارس 2023م بعنوان : الصوم ومكارم الأخلاق ، للدكتور مسعود عرابي، بتاريخ 2 رمضان المبارك 1444هـ ، الموافق 24 مارس 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 24 مارس 2023م بصيغة word بعنوان : الصوم ومكارم الأخلاق ، للدكتور مسعود عرابي
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 24 مارس 2023م بصيغة pdf بعنوان : الصوم ومكارم الأخلاق ، للدكتور مسعود عرابي
عناصر خطبة الجمعة القادمة 24 مارس 2023م ، بعنوان : الصوم ومكارم الأخلاق ، للدكتور مسعود عرابي.
أولًا: الصومُ فريضةٌ محكمةٌ يحرمُ التهاونُ فيها.
ثانيًا: الصومُ يسمُو بالروحِ ويهذبُ الأخلاقَ.
ثالثًا: ثمراتُ الصومِ على الفردِ والمجتمعِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 24 مارس 2023م ، بعنوان : الصوم ومكارم الأخلاق ، للدكتور مسعود عرابي ، كما يلي:
الصـومُ ومكارمُ الأخلاقِ
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي ما تزايدَ مِن النعمِ، والشكرُ لهُ على ما أولانَا بهِ مِن الفضلِ والكرمِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدهُ ورسولهُ نبيُّ الهدَى والرحمةِ والهادِي بإذنِ ربِّهِ إلى الصراطِ المستقيمِ… وبعدُ،،،
فإنَّ خطبتَنَا هذه بعونِ اللهِ ومددهِ وتوفيقهِ ورعايتهِ تدورُ حولَ هذه العناصرِ:
أولًا: الصومُ فريضةٌ محكمةٌ يحرمُ التهاونُ فيها.
ثانيًا: الصومُ يسمُو بالروحِ ويهذبُ الأخلاقَ.
ثالثًا: ثمراتُ الصومِ على الفردِ والمجتمعِ.
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
العنصرُ الأولُ: الصومُ فريضةٌ محكمةٌ يحرمُ التهاونُ فيهِا.
الصومُ بمعناهُ الشرعِي، « الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتَيِ الْفَمِ وَالْفَرْجِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مُخَالَفَةً لِلْهَوَى فِي طَاعَةِ الْمَوْلَى فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ النَّهَارِ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ إِنْ أَمْكَنَ فِيمَا عَدَا زَمَنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَأَيَّامَ الْأَعْيَادِ ». [ الذخيرة، للقرافي].
والحديثُ عن عبادةِ الصومِ لهُ تفريعاتٌ عديدةٌ، وجوانبُ يصعبُ حصرهَا، مِمّا أوجبَ علينَا في خطبتِنَا هذه أنْ يكونَ الكلامُ فيها عن صومِ الفريضةِ، وهي تلك الأيامُ المعدودةُ والأزمنَةُ المحدودةُ التي تعبدُ اللهَ سبحانَه وتعالى الخلقُ بعينِهَا، فالفريضةُ مقترنةٌ بالزمانِ الموسومِ بشهرِ رمضانَ، رمضانُ الخيرُ والبركةُ والعطاءُ، منحةٌ لأهلِ الأرضِ مِن ربِّ السماءِ.
أتحفَ ربُّنَا سبحانَه وتعالى أمةَ نبيِّنَا مُحمدٍ ﷺ بهذه الفريضةِ في السنةِ الثانيةِ مِن الهجرةِ النبويةِ المشرفةِ، فصامَ خيرُ الأنامِ مُحمدٌ بنُ عبدِ اللهِ تسعَ رمضاناتِ، ثُم لحقَ بالرفيقِ الأعلَى بعدَ أنْ بلّغَ، الرسالةَ، وأدَّى الأمانةَ، ونصحَ الأمةَ، وكشفَ الغمةَ، فتركنَا صلواتُ ربِّي وسلامهُ عليهِ على المحجةِ البيضاء ليلهَا كنهارهَا لا يزيغُ عنهًا إلَّا هالكٌ.
قالَ اللهُ تعالَى: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾. [ البقرة، 183].
والمعنى: كتبَ اللهُ عليكُم أيْ: فرضَ عليكُم أيُّها المؤمنون الصيامَ، كما فرضَهُ على الأممِ السابقةِ، أيامًا معدودات، هي: شهرُ رمضانَ. فالصيامُ الذي أوجبَهُ جلَّ ثناؤهُ على أمةِ الإسلامِ، هو صيامُ شهرُ رمضانَ دونَ غيرهِ مِن الأوقاتِ، بإبانتهِ عن الأيامِ التي أخبرَ أنَّه كتبَ علينَا صومَهَا بقولهِ: ﴿ شهرُ رَمضان الذي أنزلَ فيه القرآن﴾. [ البقرة، 185]. [ تفسير الطبري]. وفي الصحيحينِ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُهُ عَنِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُــولُ اللَّهِ ﷺ: « خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ». فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: « لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ ». فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ ». قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: « لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ ». قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الزَّكَاةَ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: « لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ ». فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا، وَلاَ أَنْقُصُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ ». فعَلمنَا يقينًا مِن هذه النصوصِ الصحيحةِ الصريحةِ، أنَّ صيامَ شهرَ رمضانَ فرض وُاجُبٌ: على الْبَالِغِ الْعَاقِلِ، الْحَاضِرِ، الصَّحِيحِ إِذَا لَمْ يكُنْ لديهِ عذرٌ شرعيٌّ يمنعُ مِن الصَّوْمِ.
ثم حذّرَ اللهُ تعالى مِن التهاونِ بالحرماتِ، والتكاسلِ عن الواجباتِ، وأنَّ تعظيمَ شعائرِ اللهِ مِن تقوَى القلوبِ، قالَ تعالى: ﴿ ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾. [ الحج، 33].
والشعائرُ: أعلامُ الدينِ الظاهرةُ، ومنها المناسكُ كلُّهَا، وتعظيمُهَا، إجلالُهَا، والقيامُ بها، والإتيانُ بها على أكملِ ما يقدرُ عليهِ العبدُ، وتعظيمُ شعائرِ اللهِ صادرٌ مِن تقوَى القلوبِ، فالمعظمُ لهَا يبرهنُ على تقوَاهُ وصحةِ إيمانهِ؛ لأنَّ تعظيمَهَا، تابعٌ لتعظيمِ اللهِ وإجلالِهِ. [ تفسير السعدي ].
ومِن الشعائرِ الزمنيةِ، التي حظيتْ بالتشريفِ مِن اللهِ تعالَى، شهرُ رمضانَ، فقد اختصَّهُ ربُّنَا سبحانَهُ بليلةٍ هي خيرٌ مِن ألفِ شهرٍ، ألَا وهي ليلةُ القدرِ، واختصَّهُ أجملَ اختصاصٍ وشرفَهُ أيَّما تشريفٍ بنزولِ القرآنِ الكريمِ فيهِ، فكيفَ لعبدٍ لهُ عقلٌ ودينٌ أنْ يحقرَ ما عظمَهُ ربُّ العالمين، ويقبلَ على انتهاكِ حرمةِ شهرٍ صانَ اللهُ حرمتَهُ وأعلَى مكانتَهُ، وفضلَهُ على سائرِ الشهورِ، فأقلُّ ما يفعلُهُ العبدُ أنْ يصونَ حرمتَهُ ويؤدِّي فريضتَهُ، ويحفظَ بطنَهُ ولسانَهُ وفرجَهُ، وإلّا نالَ هذا العقابَ، فعندَ النسائِي وغيرِه، عن أَبُي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: « بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلَانِ، فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ ـــ الضبعان: العضدان. وقِيل: وسطُ العضدين. وقِيل: باطنُ الساعدِ، ــ فَأَتَيَا بِي جَبَلًا وَعْرًا، فَقَالَا: اصْعَدْ، فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أُطِيقُهُ، فَقَالَا: إِنَّا سَنُسَهِّلُهُ لَكَ، فَصَعِدْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي سَوَاءِ الْجَبَلِ إِذَا بِأَصْوَاتٍ شَدِيدَةٍ، قُلْتُ: مَا هَذِهِ الْأَصْوَاتُ؟ قَالُوا: هَذَا عُوَاءُ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ انْطُلِقَ بِي، فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ، مُشَقَّقَةٍ أَشْدَاقُهُمْ، تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ». علّقَ بعضُ شراحِ الحديثِ عليهِ، بقولِه: هذا العذابُ الذي ذكرَهُ رسولُ اللهِ ﷺ، هو في حقِّ مَن استعجلَ الأذانَ، فأكلَ أو شربَ قبلَ الأوانِ، وهو غروبُ شمسِ يومِ صومهِ، فكان عذابُهُ التعليقَ مِن العراقيبِ، وشدّ الأشداقِ، فمَا بالُ مَن انتهكَ حرمةَ الشهرِ وأكلَ وشربَ على الدوامِ، دونَ أنْ يعبأَ بالحرماتِ وجاهرَ بالمعصيةِ ولم يخشَ مِن الخلقِ الملامات، فهذا فاجرٌ مجاهرٌ بالمعصيةِ، متحدٍّ لقويٍّ قاهرٍ، فبئسَ صنيعُكَ يا مسكينُ، كلُّ الناسِ معافَى إلّا المجاهرين، الذي عصُوا اللهَ فجاهرُوا بمعاصيهِم، فهم محرومُون مِن عفو اللهِ ومسامحتهِ.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
العنصرُ الثاني: الصــومُ يسمُو بالروحِ ويهذبُ الأخلاقِ.
العباداتُ فيها مِن المعاني الساميةِ والحكمِ الراسخةِ العاليةِ ما يعجزُ العقلُ عن إدراكِهَا والتعبيرِ عن جمالِهَا، وقد يبدِي ربُّنَا سبحانَه وتعالى الحكمةَ مِن تشريعِ هذه النفحاتِ الربانيةِ والعطايَا التي امتنَّ بهَا على الخلقِ أجمعين، وقد يستأثرُ بعلمِهَا ويتعبدُ الخلقُ بها على حالِهَا؛ ليرى منهم كمالَ الانقيادِ، وتمامَ التسليمِ لربِّ العالمين.
والمتأملُ في عبادةِ الصومِ يرى أنّ الحقَّ سبحانَهُ وتعالى أبدَى جمالَ هذه العبادةِ، وبيَّن حكمةَ مشروعيتِهَا مع نصِّ فرضيتِهَا، فقالَ تعالى: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾. [ البقرة، 183].
فهو ميراثٌ للتقوَى، والتقوى أجلُّ ما يحرزهُ العبدُ في حياتهِ، وأعظمُ ما يجنِي بهِ الثمراتِ بعدَ مماتهِ؛ لأنَّه يعيشُ بهَا في الحياةِ الدنيا عيشَ السعداءِ، ويتخذُهَا مطيةً يعبرُ بهَا في الأخرةِ إلى جنةٍ عرضهَا كعرضِ السماواتِ والأرضِ أعدَّهَا اللهُ للأتقياءِ.
والتقوَى أحبتِي خيرُ عملٍ يسمُو بالروحِ والأخلاقِ، فهي الخوفُ مِن الجليلِ، والعملُ بالتنزيلِ، والقناعةُ بالقليلِ، والاستعدادُ ليومِ الرحيلِ. وفسّرَ الجمهورُ قولَهُ تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾. [ آل عمران، 103]. وهو أنْ يُطاعَ فلا يُعصَى، ويُشكرَ فلا يُكفر، ويُذكرَ فلا يُنسَى. [ تفسير الطبري ].
فمتى كان العبدُ على هذه الصفةِ، مِن الخوفِ مِن اللهِ، وعملَ بطاعتهِ، واجتنبَ نهيَهُ، صارَ ذا روحٍ نقيةٍ، ونفسٍ أبيةٍ، وجوارحَ سويةٍ، فالصائمُ الحقُّ، هو مَن تحققَ فيهِ هذه الصفاتُ النبيلةُ، وفي ذاتِ المعنَى يقولُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ ـــ رضي اللهُ عنه وعن أبيهِ ـــ : « إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمِعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً ». والمتألُ بعينِ البصرِ والبصيرةِ، يرى أثرَ عبادةِ الصيامِ على النفسِ البشريةِ متى كانتْ على الوجهِ المطلوبِ، فهي تسمُو بالروحِ، وتهذبُ الأخلاقَ، والنصُّ على ذلك صريحٌ صحيحٌ، ففي الصحيحينِ: قال رسولُ اللهِ ﷺ: « قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَسْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ».« وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ». حثَّ الصائمَ على العفوِ والصفحِ والتغافلِ عن السبابِ والفسوقِ، وبيَّنَ أنَّ الصومَ لا يصلحُ معهُ شيءٌ مِن هذه الأقذارِ، فما أعظمهَا مِن توجيهاتٍ، وأفضلهَا مِن منحٍ وعطايَا مِن ربِّ الأرضِ والسماوات، متى أدُّوا فرضَهُم، وصامُوا شهرَهُم على الوجهِ الذي شُرعتْ مِن أجلهِ هذه العبادةُ، فهي امتناعٌ عن كلِّ ما يعكرُ صفوَ الحياةِ أو يخدشُ الحياء، أو يجلبُ على النفسِ البلاء، فهي عبادةُ كلِّ خيرٍ وعطاءٍ، في خيرٍ وعطاءٍ.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة
ثالثًا: ثمراتُ الصومِ على الفردِ والمجتمعِ.
لعبادةِ الصومِ ثمراتٌ عديدةٌ، وقواعدُ تربويةٌ مفيدةٌ، لعلَّ أهمهَا صيانةُ الفردِ والمجتمعِ مِن كلِّ ما يشينُ صورتهَا، ويهددُ أمنهَا، بل تسمُو بها إلى مراتبِ الفضيلةِ والقيمِ الرفيعةِ، فبالصومِ تغلقُ مصادرُ الشهواتِ، فهو إمساكٌ عن شهوةِ الفرجِ البطنِ والكلامِ، وهي مصدرُ البلايَا ومواطنُ الخطايا، فهو منهجٌ تربويٌّ وضابطٌ سلوكيٌّ ينعكسُ بالإيجابِ على حياةِ الناسِ، ألم يقلْ نبيُّنَا مُحمدٌ ﷺ كما في الصحيحينِ: « يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ». أي: وقاية.
وثمرةُ التقوى التي يتحلَّى بها الصائمُ تجعلُ بينَهُ وبينَ المنكراتِ حائلًا، فمراقبةُ الخلقِ للحقِّ سرُّ النجاةِ، ومكمنُ الأمنِ، دَخَلَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك مَدِينَةَ رسولِ اللهِ ﷺ لمناسكِ الحجِّ، فقَالَ: أهنا مَن أدركَ الصَّحَابَةَ. قَالُوا: نعم! أَبُو حَازِم. فَأرْسلَ إليهِ، فَلَمَّا أَتَاهُ، قَالَ له: مالنَا نكرهُ الْمَوْت، قَالَ: لأنّكُم عمرتُم الدُّنْيَا وخربتُم الْآخِرَةَ، فتكرهونَ الْخُرُوجَ مِن الْعمرَانِ إِلَى الخرابِ. قَالَ: صدقتَ. ثمَّ قَالَ: مالنَا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، قَالَ أعرضْ عَمَلكَ على كتابِ اللهِ. قَالَ: فَأَيْنَ أَجِدهُ؟ قَالَ: عندَ قولهِ: ﴿ إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾ [ النبأ، 13، 14]. قَالَ فَأَيْنَ رَحْمَةُ اللهِ قَالَ: ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [ الأعراف، 56]. قَالَ: كَيفَ الْعرضُ على اللهِ تَعَالَى غَدًا؟ قَالَ: أمّا المحسنُ فكالغائبِ الذى يقدمُ على أَهلهِ، وَأمَّا المسيءُ فكالآبقِ يقدمُ على مَوْلَاهُ، فَبكَى سُلَيْمَانّ حَتَّى علا صَوتُهّ وأشتدَّ بكاءهّ، ثمَّ قَالَ: أوصنِي. قَالَ: إياكَ أَنْ يراكَ اللهُ تَعَالَى حَيْثُ نهاكَ أَو يفقدَكَ حَيْثُ أَمرِكَ. [يقظة أولي الاعتبار، للقِنوجي]. وهذه الثمراتُ التي تقِي العبدَ الشرورَ في عبادةِ الصومِ، فكم للهِ مِن فضائلَ على خلقهِ، لو علموهَا لذابتْ قلوبُهُم شوقًا إليهِ، ولو أدُّوهَا كما ينبغِي لعاشُوا سعداءَ أوفياءَ يأتيهم رزقُهُم رغدًا مِن غيرِ شقاءٍ. .. فاللهُمّ لا تحرمنَا فضلَ ما عندكَ بسوءِ ما عندنَا، واشرحْ صدورنَا بطاعتِكَ، وحبِّ لقائِكَ .. واحفظْ بلدنَا وولاةَ أمرِنَا بما تحفظْ بهِ عبادَكَ الصالحين!
بقلم/ مسعود عرابي .. عضو هيئة تدريس بجامعة الأزهر
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف